المرصد ١٥٧: في الذكرى الحادية والعشرين لهجمات سبتمبر، القاعدة تعانى ”استنزافاً“ في القيادة وبروباغاندا متعالية منسلخة عن التاريخ

نهاد الجريري

راديو الآن | دبي- الإمارات العربية المتحدة أهلاً بكم إلى حلقة هذا الأسبوع من المرصد نغطي فيها الفترة من ٥ إلى ١١ سبتمبر ٢٠٢٢. في هذه الحلقة عنوان واحد.  وضيف الأسبوع، منتصر حمادة، الباحث في ...

تابعوا البرنامج على تطبيقات البودكاست

راديو الآن | دبي- الإمارات العربية المتحدة

أهلاً بكم إلى حلقة هذا الأسبوع من المرصد نغطي فيها الفترة من ٥ إلى ١١ سبتمبر ٢٠٢٢. في هذه الحلقة عنوان واحد. 

 

وضيف الأسبوع، منتصر حمادة، الباحث في مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث. متخصص في الحركات الإسلامية. يحدثنا عن كيف دمّرت هجمات سبتمبر تنظيم القاعدة. 

 

سبتمبر ٢٠٢٢ 

في الذكرى الحادية والعشرين لهجمات سبتمبر. ماذا فعل الجهاديون؟ 

تأتي الذكرى هذا العام وقد أعلنت أمريكا أنها قتلت زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في العاصمة الأفغانية كابول، في ”حماية“ طالبان الذين عادوا إلى الحكم العام الماضي بموجب اتفاق الدوحة. تأتي الذكرى، وأنصار القاعدة وقادتها مطالبون بحسم أمر العلاقة مع إيران و“متلازمة طهران“ التي أصابت قيادة التنظيم والاسم الأبرز اليوم سيف العدل. تأتي ولا يكاد أنصار القاعدة يتفقون على قيادي يفي استحقاق زعامة القاعدة. تأتي ولا يزال ”خليفة“ داعش المزعوم مجهولَ الهوية؛ تأتي وقد اعتقلت تركيا واحداً من أبرز وجوه التنظيم بعد الباغوز: حجي زيد. 

تأتي الذكرى، وقد انحسرت القاعدة في الشام أمام تمدد هيئة الجولاني. فالقاعديون مهجرون، أو مختبئون، أو ينتظرون موافقة من بلادهم للعودة. 

تأتي الذكرى ومنظرو القاعدة والجهادية يقدمون نماذج بائسة بالتراشق والتلاسن والسبّ بلا منطق أو وعي أو بصيرة.

فماذا بعد؟ 

 

إعلام القاعدة منسلخ عن التاريخ

عشية ١١ سبتمبر، نشرت القيادة العامة لتنظيم القاعدة من خلال ذراعها الإعلامية السحاب إصداراً مكتوباً بعنوان ”مكاسب ١١ سبتمبر“ لا يختلف عن إصدارات الأنصار الأرشيفية. فالإصدار ليس موقعاً باسم القيادة العامة أو باسم أي قيادي كان. وحتى طريقة إخراجه لا تختلف عن إصدارات أطلقها أنصار التنظيم في نفس الفترة. 

الإصدار يشيد بهجمات سبتمبر بتشبيهها بغزوة بدر، طليعة الغزوات في التاريخ الإسلامي في السنة الثانية للهجرة؛ باعتبار أنها ”من كبريات الغزوات الفارقة في الإسلام.“ فيعتبر أن يوم الحادي عشر من سبتمبر ”هو أيضاً بدر كبرى.“ 

بعد يوم، تنشر السحاب كتاباً من ٢٧١ صفحة بعنوان ”عمليات ١١ سبتمبر بين الحقيقة والتشكيك“ منسوباً إلى ”أبي محمد المصري؛“ فهل يقصدون نائب الظواهري الذي قُتل في طهران في ٢٠٢٠؟ على الأرجح. القاعدة لم تُؤكد بعد قتل الرجل. المهم أن الكتاب مؤرخ بذي القعدة ١٤٤٠ الموافق يوليو ٢٠١٩. 

مينا اللامي الصحفية المتخصصة في رصد الجماعات الجهادية في BBC Monitoring، في حسابها على تويتر، ترى أن ما يحدث يظهر ”استنزافاً“ يعاني منه تنظيم القاعدة ”فيما يتعلق بوجود قيادي حيّ يقدّم رسالة القاعدة ويتصدّر واجهة إعلام التنظيم الرسمي.“ 

فماذا فعل سبتمبر بالقاعدة؟ 

 

“القاعدة محطمة”

في مطوية ”المكاسب،“ يقول الكاتب: ”مهما حاولت أمريكا استعادة توازنها … فلن تعود كما كانت قبل انهيار أكبر رموزها: البنتاغون … ومركز التجارة العالمي.“ 

في ٧ أكتوبر ٢٠٠١، أي بعد أقل من شهر على هجمات سبتمبر، بدأ البنتاغون غزو أفغانستان. سقط حكم طالبان خلال أيام وتشتت بن لادن وأصحابه. 

الدكتورة نيلي لحود، المحاضرة في كلية الحرب الأمريكية، تقول إن القاعدة بحلول ديسمبر ٢٠٠١، كانت ”محطمة.“ الدكتورة لحود كانت أول من بحث في وثائق أبوت أبات، باكستان، حيث قُتل أسامة بن لادن في ٢٠١١. بناء على بحثها، في مقابلة مع الصحفية الأمريكية ميغنا تشاكرابارتي تقول: 

” بحلول نوفمبر ٢٠٠١، الرسائل تقول إنه اضطر للاختفاء ولم يتواصل مع أصحابه ثلاث سنوات. وعندما أعاد التواصل في ٢٠٠٤ كانوا يطلعونه على أحداث الأعوام الثلاثة الماضية … ونفهم من الرسائل أن القاعدة تحطمت.“ 

وتضيف في موقع آخر أن أصحاب بن لادن كانوا يكتبون له أنهم لا يأمنون على أنفسهم حتى من طالبان. 

 

بن لادن خدع الملا عمر

إذاً، لنترك إصدار ”مكاسب“ والُخيَلاء والكِبْر الذي فيه الذي لو قاله غيرهم لرموه بالكفر؛ ولنرجع إلى أحداث ذلك اليوم ١١ سبتمبر ٢٠٠١. يجهل بعض أنصار القاعدة ويتغافل آخرون عن حقيقة أن أسامة بن لادن خدع طالبان وخدع الملا عمر عندما خطط ونفذ تلك الهجمات.

في يناير ٢٠١٦، بدأ تنظيم القاعدة في اليمن وفي صحيفة اسمها ”المسرى“ نشر سلسلة بعنوان: ”أحداث ١١ سبتمبر: القصة غير المروية؛“ بحسب مذكرات رواها أبو بصير الوحيشي زعيم التنظيم الذي قُتل في ٢٠١٥. في الجزء الثالث من هذه المذكرات، يتطرق الوحيشي لاختلاف بعض كبار القياديين في القاعدة مع بن لادن حول مشروعية تنفيذ هجمات سبتمبر. في صلب الخلاف سؤال: ”هل أذن الملا عمر لابن لادن بالهجوم على أمريكا؟“ يروي الوحيشي أن مصطفى أبو اليزيد، وكان حتى قتله في ٢٠١٠ المسؤولَ العام لتنظيم القاعدة في أفغانستان، طلب الرجوع إلى الملا عمر بصفته “أميرَ المؤمنين” كشرط شرعي قبل التنفيذ. رد بن لادن أن “أمير المؤمنين” سمح له بضرب اليهود وأن “الأمريكان هم الوجه الآخر لليهود.” وزاد أن “الاستئذان من الأمير سيؤخر” القتال. 

ما فعله بن لادن هو أنه كان يلح على طالبان أن يسمحوا له أو يشاركوه في ضرب أمريكا. لكن الملا عمر كان يرفض. 

الملا عمر رفض أيضاً تسليم أسامة بن لادن وهو أمر يتغنى به أنصار القاعدة وحتى أنصارهم من طالبان. لكن القصة ليست كذلك. الملا عمر كان مقتنعاً حقاً بأن بن لادن لا علاقة له بالهجمات وأن أمريكا تتحامل على الرجل. 

وهنا نأتي إلى بن لادن نفسه. في البداية، أنكر تورطه في الهجمات وإن امتدحها. فلم يتبناها إلا بعد مرور ثلاثة أعوام تقريباً. 

في ديسمبر ٢٠٠١، ظهر بن لادن في الجزيرة ينتقد تكالب أمريكا عليه وعلى أفغانستان بسبب ما وصفه بـ ”مجرد شبهة.“ فقال: “ولو كان عند أميركا من الأدلة ما يصل إلى درجة اليقين أن الذين قاموا بهذا العمل كانوا ينتسبون إلى أوروبا، كالجيش الإيرلندي مثلا، لكان عندها من السبل الكثير لعلاج هذه المشكلة، ولكن لما كان الأمر مجرد شبهة تشير إلى العالم الإسلامي فظهر الوجه القبيح الحقيقي وظهر الحقد الصليبي على العالم الإسلامي بوضوح. … فما تتهم به أميركا هذه الفئة المهاجرة المجاهدة في سبيل الله لا يقوم عليه دليل وإنما هو البغي والظلم والعدوان. ” 

لكن بن لادن ظهر بعد غياب، وفي أكتوبر ٢٠٠٤، ومن خلال الجزيرة أيضاً، متبنياً الهجمات رسمياً. قال: ”ما خطر في بالنا ضرب الأبراج, ولكن بعدما طفح الكيل وشاهدنا ظلم وتعسف التحالف الأمريكي ‘الإسرائيلي’ على أهلنا في فلسطين ولبنان تبادر إلى ذهني ذلك … وبينما أنا أنظر إلى تلك الأبراج المدمرة في لبنان أنقدح في ذهني أن نعاقب الظالم بالمثل وأن ندمر أبراجًا في أمريكا … كنا قد اتفقنا مع الأمير العام محمد عطا ـ رحمه الله- أن ينجز جميع العمليات خلال 20 دقيقة قبل أن ينتبه بوش وإداراته.“

 

على شيخ واحد!

عشية سبتمبر هذا العام، حاول أنصار القاعدة رفد الإعلام الرسمي إما بإصدارات أرشيفية أو أخرى مبتكرة أحدهم ابتدع ”مؤسسة النازعات“ وأصدر عنها العدد الأول من ”مجلة النازعات.“ وكما إصدارُ ”مكاسب“ الذي وازن بين بدر وأصحابها وأسامه وأصحابه؛ كذلك فعلت النازعات عندما قالت: 

”إذا جاء موسى وألقى العصا فقد بَطَل السحر والساحر وأسامة قد جاء وألقى المجاهدون أربع عصي في أمريكا.“ 

آخر، ابتدع ”مؤسسة النصرة للإنتاج الإعلامي“ ونشر ما قال إنه ”بيان تاسيس ١١ سبتمبر“ ويحمل ذات الخطاب الذي في إصدار ”مكاسب؛“ وكأن الاثنين كُتبا على شيخ واحد. 

داعش أيضاً احتفوا بهجمات سبتمبر. حساب داعشي نشر صورة لمحمد عطا وقد استعد لركوب إحدى الطائرات المنكوبة؛ وعلّق: ”رجل واحد دمر امبراطورية … أسامة سلّمها لابن عواد“ أي أبي بكر البغدادي.

 

منشور زائف

تعليقاً على المقاربات الفجة التي تأتي بها القاعدة وأنصارها، لفت ما نشره أبو حفص الموريتاني في قناته على التلغرام. أعاد نشر مقطع مترجم لباحث إسرائيلي. يعتبر أبو حفص أن الرجل ”شَهِد شهادة حق“ وكأن الباحث يؤيد موقف أبي حفص ومن لف لفيفه. والحقيقة أن الترجمة خطأ؛ ومجتزأة. الباحث يشرح للجمهور كيف ينظر أبو حفص والمقدسي والسباعي والبغدادي ومن لف لفيفهم … كيف ينظرون إلى العالم. يحاول الباحث أن يُفسر لماذا يرى أبو حفص ومن مثله أن استيلاء ”المهاجرين“ على بيوت المسيحيين في إدلب هو حق؛ في المقابل لماذا يرون أن استيلاء الصينيين على منازل الإيغور احتلال؛ وكذلك استيلاء الهندوس على منازل المسلمين في الهند؛ البوذيين على منازل الروهينغا. هذا باختصار ما يحاول الباحث أن يفسره. فليس فيه ما يتفاخر به ناقل الفيديو. 


قائمة الحلقات